أخلاقيات لابد منها تزيد من مستوى الصحة النفسية


الإخاء والمحبة :والإخاء والمحبة من دعائم المجتمع المسلم، وهذا مقتضى الإيمان الذي يربط بين أهله برباط العقيدة الوثيق : { إنما المؤمنون إخوة } .
وقد أثبت التاريخ والواقع أنه لا رباط أقوى من العقيدة، وأن لا عقيدة أقوى من الإسلام .
 وأدنى مراتب هذا الإخاء:
سلامة الصدور من الحسد والبغضاء، التي اعتبرها الحديث النبوي: “داء الأمم” وسماها “الحالقة”، ليست حالقة الشعر ولكن حالقة الدين، وقد مدح الله تعالى أجيال التابعين للصحابة بإحسان بقوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } .
 وكلما عمقت جذور الإيمان ، امتدت فروع الإخاء وظلاله وثماره في النفس والحياة ، وتحررت الأنفس من الأنانية المقيتة، وتطلعت إلى العطاء لا الأخذ، وإلى التضحية لا الغنيمة، وفي الحديث الشريف : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
وقد يرتقي ذلك إلى درجة الإيثار الذي وصف الله به مجتمع الصحابة بقوله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .
 التعاطف والتراحم:
التعاطف والتراحم ، وهذا من ثمرات الإخاء الحق ، وهو ما صوره الحديث الشريف أبلغ تصوير حين قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل
الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء، بالحمى والسهر ) .
وفي الحديث الآخر : ( الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) .
 وأوجب ما يكون العطف والرحمة ، للضعفاء من الناس من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل والخدم والمعوقين من البشر، ولهذا اعتبر القرآن من مظاهر الكفر والتكذيب بالدين القسوة على هؤلاء وتركهم يهلكون جوعا وعريا وضياعا .قال تعالى : { أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم .ولا يحض على طعام المسكين } ، وذم المجتمع الجاهلي بقوله تعالى : { كلا بل لا تكرمون اليتيم .ولا تحاضون على طعام المسكين } .
 ويعرض علينا القرآن مشهدا من مشاهد يوم القيامة، وإذا الذي يأخذ كتابه بشماله، لم يغن عنه ماله، أو يمنعه سلطانه، ينادي عليه على رؤوس الإشهاد ، قال تعالى : { خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين }، فرق بين عدم الإيمان وعدم الحض ، ليدل على عظم جريمة القسوة على المساكين .
 التساند والتعاون:
التساند و
التعاون، وهو المظهر العملي للإخاء والتراحم، والتعاون الإسلامي مجاله البر والتقوى وليس الإثم والعدوان، كما بين ذلك القرآن الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ولهذا حرم الإسلام الربا والاحتكار لما فيهما من استغلال القوي للضعيف، واعتصار الغني للفقير .
 وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك أصابعه ) .
وهو يشمل التعاون بين أفراد الشعب وفئاته بعضهم بعض، أو بين الشعب والحاكم، كما ذكر القرآن التعاون بين ( ذي القرنين ) ، وتلك الجماعة المهددة من (يأجوج ومأجوج ) قال تعالى : { ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما } .
 التكافل والتضامن:
التكافل والتضامن : بحيث ينهض القوي بالضعيف، ويعود الغني على الفقير، ولا يضيع عاجز ولا مسكين في هذا المجتمع، والحد الأدنى في ذلك هو فريضة الزكاة ـ الركن الثالث في
الإسلام ـ والتي يقوم عليها حراس ثلاثة: حارس من داخل ضمير الفرد المسلم، وهو الإيمان وحارس من داخل المجتمع ، وهو الرأي العام المسلم ، وحارس من قبل الدولة، وهو القانون والسلطان ، قال تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } .
 وفي المال حقوق أخرى سوى الزكاة، وبخاصة حق الجار على جاره، بحيث يتكافل المجتمع له في السراء والضراء . وفي الحديث الشريف : ( ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع ) .
والتكافل الإسلامي يستوعب كل جوانب الحياة ـ مادية، ومعنوية ـ فهو تكافل معيشي وعلمي وأدبي وعسكري إلى غير ذلك من المجالات .
 التواصي والتناصح:
التواصي والتناصح ، وهذا من التكافل الأدبي ، الذي يجعل كل مسلم مسئولا عمن حوله من أبناء المجتمع، ينصح لهم وينصحون له، ويوصيهم بالحق والصبر، ويتقبل الوصية منهم كذلك.وليس في المسلمين أحد أكبر من أن ينصح، ولا أحد أصغر من أن ينصح .
 وهذا من أساسيات الدين ، وموجبات الإيمان، وشروط النجاة من الخسران ، قال تعالى : { والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
 وقال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }. وفي الحديث الشريف : ( الدين النصيحة لله ، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ).
 التطهر والترقي:
التطهر والترقي ، فالمجتمع المسلم مجتمع نظيف يربي أبناءه على الطهارة والعفة والإحصان، ويحرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويعتبر
الخمر والميسر، رجسا من عمل الشيطان، ويأمر المؤمنين والمؤمنات أن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، وينهى عن التبرج والإغراء بالقول أو بالمشي أو بالحركة، حتى لا يطمع الذين في قلوبهم مرض، وحتى لا يثير الغرائز الهاجعة، فتنطلق تعيث وتعربد، بلا قيود من خلق ولا دين .
 والمجتمع المسلم ليس مجتمع ملائكة مطهرين ، ولكن من ابتلي منهم ، بارتكاب معصية، استتر بها، ولم يتبجح بفعلها، أو بالإعلان عنها، وبذلك ينحصر أثرها، ولا يتطاير شررها، ثم يرجى منه بعد ذلك أن يتوب منها ، قال تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }.
 العدالة:
العدالة ، وتشمل عدالة التعامل بين الناس في شئون الحياة، فإن العدل فريضة، والظلم حرام، كما في الحديث القدسي : ( يا عبادي، إني حرمت الظلم على
نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا ) .
 وتشمل العدالة الاقتصادية أو الاجتماعية التي تقف في وجه الأقوياء حتى لا يمتصوا دماء الضعفاء، بل تعمل على الحد من طغيان الأغنياء، بقدر ما ترفع من مستوى الفقراء، وما تفرض لهم من حقوق المال، الزكاة، أولها وليست آخرها.
 وتشمل العدالة القانونية والقضائية، بحيث يصل لكل إنسان حقه، وإن كان عند خليفة المسلمين، وأن يستوفي عقوبته على جرمه، وإن كان ابن أمير المؤمنين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وايم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ).

تعليقات